
المخرجون الذين رفضوا إخراج أفلام أصبحت ناجحة: فرص ضائعة صنعت تاريخ السينما
في عالم السينما، لا تُقاس النجومية فقط بما يظهر على الشاشة، بل كثيرًا ما تُصنع القرارات الحاسمة خلف الكواليس. من بين تلك القرارات، يبرز قرار المخرج: هل يأخذ هذا المشروع أم يرفضه؟ وقد تحمل هذه الإجابة في طيّاتها تحوّلات كبرى في تاريخ الفن السابع. كم من مخرج كبير رفض سيناريو ما، ظنًا منه أنه لن ينجح أو لا يعبّر عن رؤيته الفنية، ثم تبين لاحقًا أن الفيلم حقق نجاحًا ساحقًا، نقديًا وجماهيريًا، وربما دخل سجل كلاسيكيات السينما؟
في هذه المقالة، نسلط الضوء على أبرز الأمثلة لمخرجين كبار قالوا “لا” في لحظة ما، لتصبح “نعم” في يد مخرج آخر علامة فارقة في تاريخ السينما.
ستيفن سبيلبرغ ورفضه إخراج “Rain Man”
يُعد ستيفن سبيلبرغ واحدًا من أعظم مخرجي هوليوود، ولكن حتى العظماء قد يخطئون التقدير. في الثمانينات، عُرض عليه سيناريو فيلم “رجل المطر” (Rain Man)، لكنه رفضه لانشغاله بمشروع آخر، ورأى أن النص لا ينسجم مع رؤيته في ذلك الوقت.
الفيلم ذهب إلى المخرج باري ليفينسون، ليحقق نجاحًا مذهلاً، ويُتوّج بأربع جوائز أوسكار عام 1989، من بينها جائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج، بالإضافة إلى أفضل ممثل لدستن هوفمان.
رفض سبيلبرغ كان خسارة لحظة، لكن الفيلم أصبح لاحقًا أيقونة سينمائية حول التوحد والعلاقات الإنسانية.
غييرمو ديل تورو و”هاري بوتر”
هل تتخيل أن المخرج الحائز على الأوسكار غييرمو ديل تورو رفض إخراج أحد أفلام سلسلة هاري بوتر؟ بالفعل، عندما عرضت عليه شركة Warner Bros فرصة إخراج “هاري بوتر وحجرة الأسرار” (The Chamber of Secrets)، اعتذر، وعلل رفضه بأن العالم الساحر ليس قريبًا من اهتماماته وقتها، حيث كان منغمسًا أكثر في عوالم مظلمة وسريالية مثل أفلامه “Devil’s Backbone” و”Pan’s Labyrinth”.
تم إسناد الفيلم لاحقًا للمخرج كريس كولومبوس، الذي واصل بناء العالم السحري بنجاح، وساهم في جعل السلسلة واحدة من أنجح السلاسل في تاريخ السينما.
لاحقًا، أعرب ديل تورو عن ندمه الطفيف، خصوصًا بعدما رأى كيف تحوّلت سلسلة هاري بوتر إلى ظاهرة عالمية تتخطى حدود السينما.
ديفيد لينش ورفضه “Return of the Jedi”
المخرج الأميركي ديفيد لينش، المعروف برؤيته الغريبة وأسلوبه السريالي، تلقى دعوة خاصة من جورج لوكاس لإخراج الجزء الثالث من ثلاثية Star Wars الأصلية، “عودة الجيداي” (Return of the Jedi).
لينش قرأ السيناريو، واجتمع مع لوكاس، لكنه شعر بأن المشروع لا يناسبه. قال في مقابلة لاحقة إنه لم يشعر بأي اتصال عاطفي مع العالم الفضائي، وفضل التركيز على أعماله الشخصية مثل “Blue Velvet”.
الفيلم ذهب إلى ريتشارد ماركاند، وحقق إيرادات ضخمة وأسهم في ترسيخ عالم Star Wars كإرث سينمائي ضخم. أما لينش، فواصل رحلته في السينما التجريبية، وبقي “رفضه” أحد أكثر قراراته المثيرة للجدل.
بريان دي بالما و”صمت الحملان”
قبل أن يذهب فيلم “The Silence of the Lambs” إلى المخرج جوناثان ديمي، تم عرضه على المخرج الشهير بريان دي بالما، الذي كان في أوج شهرته بعد “Scarface” و”The Untouchables”.
دي بالما لم يبد اهتمامًا كبيرًا بقصة العميلة الشابة التي تطارد قاتلاً متسلسلاً بمساعدة دكتور نفسي قاتل، ورفض المشروع. لاحقًا، حقق الفيلم نجاحًا أسطوريًا، ونال خمس جوائز أوسكار كبرى، من بينها أفضل فيلم، أفضل مخرج، وأفضل ممثل وأفضل ممثلة.
هذه اللحظة تُعد من أبرز الفرص الضائعة في تاريخ دي بالما، حيث أن الفيلم أصبح رمزًا لأفلام الجريمة النفسية.
تيم بيرتون ورفضه “Inception”
قد لا يعلم كثيرون أن المخرج تيم بيرتون، المعروف بأسلوبه الفانتازي والغرائبي، تم الاتصال به في مراحل مبكرة لإخراج مشروع غامض بعنوان “Inception”، من تأليف كريستوفر نولان.
لكن بيرتون وجد أن هيكل الفيلم المعقد لا يتماشى مع أسلوبه البصري، ورفض الخوض في عالم الأحلام بهذا الشكل. النتيجة؟ أخرج نولان الفيلم بنفسه، ليتحول إلى واحد من أكثر أفلام الخيال العلمي شهرة وتأثيرًا في القرن الواحد والعشرين، جامعًا بين النجاح الجماهيري والتقدير النقدي.
ماذا تقول هذه القصص؟
ما يجمع هذه القصص هو أن النجاح السينمائي لا يُبنى فقط على نص قوي، بل على مزيج معقد من الرؤية، التوقيت، والشغف. قد يرفض مخرج سيناريوًّا ما لأسباب مهنية أو فنية، لكنه لا يستطيع التنبؤ بمستقبله في أيدي غيره.
في بعض الأحيان، يكون الرفض قرارًا حكيمًا، كما في حالة ديفيد لينش، الذي ربما لم يكن ليستطيع الانسجام مع عالم Star Wars. وفي أحيان أخرى، يكون ندمًا يلاحق صاحبه، كما هو الحال مع غييرمو ديل تورو وهاري بوتر.