الأفلام التي استغرقت سنوات طويلة قبل عرضها: حين يصبح الانتظار جزءًا من القصة

مقدمة

في عالم السينما، اعتدنا أن نرى أفلامًا تُعلن عنها الاستوديوهات ثم تُعرض خلال عام أو عامين، وقد تطول المدة قليلًا بحسب ظروف الإنتاج. لكن، هناك فئة نادرة من الأفلام كسرت هذه القاعدة تمامًا، واستغرقت سنوات طويلة — وأحيانًا عقودًا — قبل أن ترى النور. تلك الأفلام غالبًا ما تحوّلت إلى أساطير في عالم السينما، ليس فقط لجودتها أو مضمونها، بل بسبب القصص التي أحاطت بعملية إنتاجها الطويلة والمعقدة. في هذه المقالة، سنستعرض مجموعة من أبرز هذه الأفلام، ونغوص في الأسباب التي جعلت رحلة إنتاجها تمتد لسنوات طويلة، وفي بعض الأحيان، لجيلٍ كامل.


1. Boyhood (الصبا) – استغرق تصويره 12 عامًا

ربما هو الفيلم الوحيد الذي تم تصويره عمدًا على مدار 12 عامًا متواصلة. أخرجه المبدع ريتشارد لينكليتر، وبدأ تصويره عام 2002 واكتمل في 2013، ليُعرض أخيرًا في 2014.
فكرة الفيلم بسيطة لكنها ثورية: توثيق نمو طفل أمريكي (إيلا كولترين) من سن السادسة حتى الجامعة، باستخدام نفس الممثلين في كل المراحل، ما جعل الفيلم يقدم تطور الشخصيات والزمن الحقيقي بطريقة نادرة وغير مسبوقة.

لماذا استغرق وقتًا طويلًا؟

السبب الرئيسي كان فنيًا، إذ أراد المخرج أن يُظهر تغيّر الزمن والمراحل العمرية دون اللجوء لمكياج أو ممثلين بدلاء. النتيجة؟ تجربة سينمائية إنسانية لا تتكرر.


2. The Thief and the Cobbler (اللص والإسكافي) – 29 عامًا من العمل

يُعتبر هذا الفيلم أحد أعقد المشاريع في تاريخ الرسوم المتحركة. بدأ العمل عليه عام 1964 من قبل المخرج والرسام العبقري ريتشارد ويليامز، لكنه لم يُعرض إلا في 1993، بعد سلسلة طويلة من المشاكل الإنتاجية والتجارية.

ماذا حدث؟

ويليامز كان يسعى لصناعة تحفة بصرية تفوق كل ما سبق، وركز على التفاصيل الدقيقة بدرجة استثنائية. لكن طول مدة الإنتاج ونفاد الميزانية جعلت شركات أخرى تتدخل وتُكمل الفيلم دون رؤيته الأصلية، ما تسبب في فقدانه الكثير من سحره. ولاحقًا، حاول محبّو الفيلم تجميع نسخة قريبة من الرؤية الأصلية، عُرفت باسم The Recobbled Cut.


3. Avatar: The Way of Water (أفاتار: طريق الماء) – 13 عامًا من الانتظار

عندما أصدر جيمس كاميرون فيلم “Avatar” في 2009، كان ثورة بصرية، لكنه وعد بسلسلة من التتمات. انتظر الجمهور 13 عامًا حتى رأى الجزء الثاني، الذي صدر في 2022.

لماذا تأخر؟

كاميرون لا يرضى بالقليل. أراد تقنيات جديدة لتصوير تحت الماء بأداء تمثيلي حيّ، وكان يعمل على تطويرها من الصفر. كما أن العمل على كتابة سلسلة أفلام متصلة تطلب وقتًا ضخمًا في مرحلة ما قبل الإنتاج.

النتيجة؟ تحفة بصرية مبهرة أخرى أبهرت العالم وجعلت التأخير مبررًا بالكامل.


4. A.I. Artificial Intelligence (الذكاء الاصطناعي) – فكرة من ستانلي كوبريك، نُفّذت بعد وفاته

الفيلم الذي صدر عام 2001 من إخراج ستيفن سبيلبرغ، بدأ كمشروع في ذهن المخرج العظيم ستانلي كوبريك في الثمانينات. لكن كوبريك شعر أن التكنولوجيا لم تكن جاهزة لتحقيق رؤيته، فتركه جانبًا. بعد وفاته عام 1999، قرر سبيلبرغ إكمال المشروع تكريمًا لصديقه، معتمدًا على ملاحظاته الأصلية.

الزمن الطويل بين الفكرة والتنفيذ

قرابة 20 عامًا مرّت بين ولادة الفكرة وعرضها على الشاشة، ما جعل الفيلم يحمل في طياته لمسة كوبريك الفلسفية وتأثير سبيلبرغ الإنساني، فخرج بعمل معقّد وجميل في آن.


5. Mad Max: Fury Road (ماكس المجنون: طريق الغضب) – 17 عامًا من التطوير

بدأ الحديث عن فيلم جديد من سلسلة “Mad Max” في أواخر التسعينات، لكن المشروع تعثّر مرارًا. مخرج السلسلة، جورج ميلر، أراد أن يعود بأسلوب جديد، فاستغرق تطوير الفيلم سنوات طويلة حتى بدأ التصوير فعليًا في 2012، وعُرض في 2015.

أبرز العراقيل:

  • مشاكل تمويلية.
  • حروب أهلية في مواقع التصوير المقترحة.
  • تغيرات في فريق العمل.
  • انتظار التكنولوجيا المناسبة لتصوير المشاهد الجنونية التي اشتهر بها الفيلم.

النتيجة كانت أكثر من رائعة؛ ترشح الفيلم لـ10 جوائز أوسكار وفاز بـ6 منها، وأصبح مرجعًا في أفلام الحركة.


6. The Man Who Killed Don Quixote (الرجل الذي قتل دون كيشوت) – ملحمة إنتاج استمرت 30 عامًا

ربما هو الفيلم الذي يُجسد فكرة “اللعنة الإنتاجية”. بدأ تيري جيليام، المخرج المعروف بخياله الواسع، العمل على هذا الفيلم في أوائل التسعينات. واجه المشروع نكبات لا تُحصى: ممثلون مرضى، فيضانات دمّرت مواقع التصوير، دعاوى قضائية، انسحاب ممولين، حتى تحوّل الموضوع إلى فيلم وثائقي بعنوان Lost in La Mancha يوثّق فشل المشروع.

وأخيرًا، وبعد ما يقرب من 30 عامًا، عرض الفيلم عام 2018 في مهرجان كان.


لماذا تستغرق بعض الأفلام سنوات طويلة قبل أن تُعرض؟

في أغلب الحالات، تتعدد الأسباب بين:

  • رؤية فنية طموحة جدًا تتطلب تقنيات غير متوفرة آنذاك.
  • مشاكل إنتاجية وتمويلية تؤخر كل خطوة.
  • تغير في الطاقم الإبداعي أو التمثيلي.
  • الانتظار حتى نضوج الفكرة أو توفر الظروف الملائمة.
  • أزمات خارجية مثل الحروب أو الأوبئة أو الكوارث الطبيعية.

لكن في كثير من الأحيان، يكون الزمن الإضافي بمثابة اختبار للصبر والإبداع، ويضيف للفيلم قيمة أسطورية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى